قصيدة البكاء / "الرجال لا يبكون" - جيمي سنتياغو باكا


(ترجمة:أسماء حسين)

منذ زمن طويل جدا
لم أستطع البكاء
العبرات تخنقني وأنا أشاهد فيلما
تخنقني فيتورم جسمي كله، ثم تتصلب جفوني
ويستجمع شيء في داخلي قواه
ولا أبكي.

عندما اصطدمنا بعمود هاتف .. صرخ بي أبي لا تبك
كنت مرعوبا وعلى وشك إصابة - ولكن لا تبك، قال أبي.
لم أستطع البكاء لأن الرجال لا يبكون.
عندما عضني الكلب في ساقي لم أستطع البكاء،
عندما مات "جوي" لم أستطع البكاء.

كم سيكون شعورا جميلا
أن تنساب دمعة من زاوية عيني على وجنتي، نحو قوس شفتي
حيث أستطيع تذوقها
ولكنني لا أبكي.
شيء ما يغلق الممرات والقنوات تحت جلدي.
قنوات دمعي صلصال أحمر متشقق
منذ ثلاثين عاما مصابة بجفاف
منذ أن كنت في الثامنة، عندما ضربت لأنني بكيت.

قلبي فرن مفتوح الباب، يضطرم من أجل دموع تطفيء ناره
ولكن الذين يكيلون الفحم يديمون اشتعاله
بلا تبك لا تبك لا تبك.
أريد أن أفك رباط يدي مثل قفازات ملاكم منهك
وأضعهما على الطاولة، مقبوضتين بإحكام كما هما
وأريد أن تنبت لي يدان جديدتان
زهرتين مفتحتين خفيفتين، مبللتين بدموعي.
أحب اللون الأزرق، البني.
أحب أن ألمس وجنتي المتشققتين
وأحيل شفقتي إلى همسات باكية.
ولكنني طالما كان عليّ أن أكبتها في داخلي
أحبس نفسي، أطبق فمي
لكي لا أبكي.
.
إنني أبكي يا رجل
وكذب أنني لا أفعل.
أعانق أخي وأصلي كتفا لكتف معه
أركع وأقبّل الأرض وأبكي- آه لو أنني أستطيع البكاء.
لا تترجموا دموعي إلى أفكار حزينة،
أريد أن أسيل بدموع خريفية على نافذتي
وأمسح الزجاج الذي يحجب عني العالم.
أريد أن أملأ كل ثقب في قلبي ببرك دمع صافية
أن أملأ مغطس الصحون في مطبخي بالدموع.
إن مجرد التفكير بأنني لم أبك كل هذه السنين
يجعلني أرغب في البكاء.

ولكنني تعلمت أن لا أبكي
الكبار لا يبكون، هكذا الناس يقولون،
" أليست هذه دموع تماسيح يا ولد،
لا يمكن أن تخدعني بهذه الدموع ".
هراء!!
لست خادعا أحدا سوى نفسي بعدم بكائي.
تنح جانبا لمرة - سوف أبكي
حتى أبلّ قميصي
وأجعل يديّ تتلألآن نديتين بدموع تسيل من وجهي
على ذراعيّ وساقيّ وصدري،
وعليك أن تنظر إليّ،
لأنني أغرق دروبك الرجولية بدموعي،
لكي أسترد دموعي.
سأبكي حتى لا تبقى دمعة واحدة أبكيها
من أجل ما قاسيناه من عدم البكاء،
وكيف أننا خدعنا أنفسنا لاعتقادنا إن الرجال لا يبكون.
سأبكي في الباص، في الفراش، على مائدة الغداء، على الأريكة
بما يكفي لأن تطفو سفينة نوح عليه،
أطلق عصفورة قلبي
لتعيد لي البرعم الوحيد لحياتي المخضوضرة
وأنت اذهبي وانكحي نفسك أيتها الأيام اليابسة الأعين.
ها قد جئتُ، لأمنحكم موسم ريح دمعي
ها قد جاء طفل البكاء الكبير
مغرقا جدران السجن، وغرف نوم الأطفال
أرش الدموع وأقذفها حتى تبلغ كاحلي،
أزرع الأرز والذرة والبقول، في حقول تروى بدموعي،
وأنتم يا ضاربو الكرة وكسّارو البندق يا ذوو الجلود اليابسة
يا من لا تريدون لأحذيتكم القاتلة كاسرة العظم أن تبتل
تنحوا جانبا، لأنني آت لكم بالمطر.
.
كانت كل الوداعات مناسبات بكاء
وداع لجدتي، لأخي، لأصدقائي، لجيراني،
لمعلميّ، وللصبيان الآخرين،
ولم أذرف دمعة قط.
رغم أنني شعرت بالعبرات تخنقني.
عضضت على أسناني بقوة كي أكبتها،
أخفضت رأسي وفكرت بشيء آخر.
ظللت أسمع أصواتا في داخلي
تقول لي لا تبك لا تبك لا تبك!!
الصبيان لا يبكون،
اكشف عن نفسك
كن عرضة لفأس في قلبك من مغفل آخر لا يبكي،
كن مخنثا، كن جبانا وستتألم
إن بكيت.
لقد تألمت عندما لم أبك.

لم أبك كل تلك المرات لشعوري بالخجل أمام الناس
خوفا أن يظن الآخرون إنني لست رجلا
خوفا من أن يسخروا مني،
كثيرون منا كانوا يسمعون أخبارا مأساوية
ولم يبك منهم أحد
لأنه لا يبدو صحيحا، إننا بحاجة إلى البكاء
بحاجة إلى أن نستيقظ في منتصف الليل، ونبكي
ومثلما يتقلص حوض المرأة وبطنها عند الولادة،
نحن كذلك بحاجة إلى أن نلد تلك النوبات الرهيبة من الدموع
ونبكي أولئك الذين لم نبكهم أبدا.
دع ساقيك ترتجفان وذراعيك تعانقانك
في حالة بكاء وتشنج كمدمني المخدرات.

لنبك من أجل المساكين في السجون، المبعدين عن أسرهم،
من أجل ابنة الفلاح، التي التهمها السرطان بسبب مبيد الحشرات
ونبكي، من أجل المشردين
الذين لم يستطيعوا تسديد رهن بيوتهم،
أولئك الذين ينامون تحت الجسور واليائسين،
أن نذرف اختلافاتنا بحيرة من دموع
حيث نستطيع أن نغسل وداعاتنا ولا مبالاتنا.
الآباء يبكون أطفالهم،
ليبك الأطفال بين ذراعيّ،
ليبك الرجال بين ذراعيّ،
لتبك الحامل بين ذراعيّ،
لنبك جميعا بعد ممارسة الحب وبعد المشاجرة
لنجعل البكاء صلاة
لغة مصنوعة من الأنين والنشيج والشهقات،
هيا ابكوا بصوت عال، بصوت أعلى يا أحبتي،
ابكوا! ابكوا! ابكوا!